ارتفاع درجة حرارة الجسم: الأسباب، الأعراض، والطرق العلمية للعلاج

تُعتبر درجة حرارة الجسم من المؤشرات الحيوية الهامة التي تعكس الحالة الصحية العامة للفرد، فارتفاع درجة الحرارة غالبًا ما يشير إلى وجود خلل أو مرض يستدعي الانتباه والعلاج المناسب. يعرف ارتفاع درجة حرارة الجسم طبيًا بالحمى، وهو رد فعل طبيعي للجهاز المناعي في الجسم تجاه مختلف المؤثرات، مثل العدوى أو الالتهابات أو غيرها من الأسباب. هذا المقال يقدم دراسة شاملة ومفصلة حول ارتفاع درجة حرارة الجسم، متناولًا تعريفه، أسبابه، أعراضه، آليات الجسم في تنظيم الحرارة، ومختلف الطرق العلمية لعلاجه والوقاية منه، مع التركيز على أهمية الفهم الدقيق لهذه الظاهرة لضمان التشخيص السليم والعلاج الفعال.

مفهوم ارتفاع درجة حرارة الجسم

درجة حرارة الجسم الطبيعية تتراوح بين 36.1 إلى 37.2 درجة مئوية عند قياسها عن طريق الفم أو تحت الإبط، وتختلف قليلاً بناءً على طريقة القياس، الوقت من اليوم، والعوامل الفردية. يُعتبر ارتفاع درجة الحرارة عندما تتجاوز 38 درجة مئوية، وقد يكون هذا الارتفاع بسيطًا أو شديدًا، ويصنف إلى:

• حمى خفيفة: بين 38 و 39 درجة مئوية.

• حمى متوسطة: بين 39 و 40 درجة مئوية.

• حمى شديدة: فوق 40 درجة مئوية.

تتعدد الأسباب التي تؤدي إلى هذا الارتفاع، ولكل منها خصائصها المؤثرة على الجسم.

الأسباب الرئيسية لارتفاع درجة حرارة الجسم

1. العدوى البكتيرية والفيروسية

تعد العدوى الميكروبية الأكثر شيوعًا وراء ارتفاع درجة الحرارة، حيث يعمل الجسم على زيادة حرارته لمحاربة الجراثيم. تتضمن هذه العدوى أمراضًا مثل:

• الإنفلونزا

• التهابات الجهاز التنفسي (كالالتهاب الرئوي)

• التهابات المسالك البولية

• العدوى المعوية (مثل التهاب المعدة والأمعاء)

2. الالتهابات غير المعدية

تنتج عن التهابات داخلية غير ناتجة عن ميكروبات، مثل:

• أمراض المناعة الذاتية (كالذئبة الحمراء)

• التهابات المفاصل الروماتويدي

• التهابات الأنسجة العميقة

3. الأسباب البيئية والفيزيولوجية

• الضربة الحرارية: نتيجة التعرض الطويل لدرجات حرارة مرتفعة تؤدي إلى فشل في آليات تنظيم الحرارة.

• التعرض لدرجات حرارة منخفضة للغاية مع محاولة الجسم رفع حرارته لتعويض الفقد الحراري.

• ممارسة التمارين الرياضية العنيفة قد ترفع درجة حرارة الجسم مؤقتًا.

4. الأدوية والعقاقير

تسبب بعض الأدوية ارتفاعًا في درجة الحرارة كأثر جانبي، مثل:

• الأدوية المضادة للسرطان

• بعض المضادات الحيوية

• أدوية خاصة بعلاج الأمراض النفسية

5. اضطرابات الغدد الصماء

مثل فرط نشاط الغدة الدرقية الذي يؤدي إلى زيادة الأيض وارتفاع درجة حرارة الجسم.

6. أسباب أخرى

• الحساسية المفرطة

• بعض أنواع السرطان (مثل اللوكيميا)

• بعد العمليات الجراحية نتيجة التهاب أو عدوى

الأعراض المصاحبة لارتفاع درجة حرارة الجسم

ارتفاع درجة الحرارة لا يكون وحده عرضًا، بل غالبًا ما يرتبط بعدد من الأعراض التي تساعد في تشخيص السبب الأساسي، وتشمل:

• القشعريرة: شعور بالبرد والارتعاش، رغم ارتفاع درجة الحرارة.

• التعرق المفرط: محاولة الجسم تخفيض درجة الحرارة.

• الصداع الشديد: نتيجة توسع الأوعية الدموية في الدماغ.

• الإرهاق والضعف العام: نتيجة استهلاك الطاقة لمحاربة السبب.

• آلام العضلات والمفاصل: بسبب الالتهابات المصاحبة.

• فقدان الشهية والغثيان: تؤثر على الجهاز الهضمي.

• التهاب الحلق أو السعال: في حالات العدوى التنفسية.

تختلف شدة الأعراض بحسب سبب الحمى، وقد تتطلب ملاحظة دقيقة لتحديد إذا ما كانت هناك علامات تستدعي التدخل الطبي العاجل.

آلية تنظيم درجة حرارة الجسم

يتحكم في درجة حرارة الجسم مركز حراري يقع في منطقة تحت المهاد (Hypothalamus) داخل الدماغ. هذا المركز يستقبل إشارات من المستقبلات الحرارية في الجلد والدم ويعدل حرارة الجسم تبعًا لذلك. عند دخول عامل مسبب للحمى، مثل مادة تسمى “البيروجينات” التي تفرزها الجراثيم أو خلايا الجهاز المناعي، يقوم مركز الحرارة برفع درجة حرارة الجسم بهدف تعطيل نشاط الميكروبات وتحفيز الجهاز المناعي.

هناك آليات طبيعية متعددة لضبط حرارة الجسم، منها:

• التعرق: لتبريد الجسم عن طريق تبخر العرق.

• توسيع الأوعية الدموية: يسمح بزيادة تدفق الدم إلى الجلد وتبريد الجسم.

• الارتعاش: توليد حرارة إضافية عندما تكون درجة الحرارة منخفضة.

طرق قياس درجة حرارة الجسم

تتنوع طرق قياس درجة الحرارة حسب دقة النتائج وسهولة الاستخدام:

• القياس تحت الإبط: شائع وسهل لكنه أقل دقة.

• القياس الفموي: أدق قليلاً لكنه يتأثر بالطعام أو الشراب.

• القياس الشرجي: الأكثر دقة ويستخدم للأطفال الرضع.

• القياس بالأذن: سريع ويعطي نتائج مقبولة.

• القياس عن طريق الجبهة (الحرارية): مريح لكنه قد يتأثر بالظروف الخارجية.

علاج ارتفاع درجة حرارة الجسم

يختلف العلاج تبعًا لسبب الحمى وشدتها، ويمكن تقسيم العلاج إلى:

1. العلاج الدوائي

• المسكنات وخافضات الحرارة: مثل الباراسيتامول (Paracetamol) والإيبوبروفين (Ibuprofen)، تساعد على تخفيض الحرارة وتخفيف الألم.

• المضادات الحيوية: تستخدم إذا كان السبب عدوى بكتيرية مؤكدة.

• العلاج المضاد للفيروسات: في بعض الحالات التي تتطلب ذلك.

2. العلاجات المنزلية والتدابير الوقائية

• الراحة التامة: للسماح للجسم بالتركيز على مقاومة المسبب.

• الترطيب المستمر: شرب كميات كبيرة من الماء لتعويض الفاقد من العرق.

• ارتداء ملابس خفيفة: تساعد في تبريد الجسم.

• الكمادات الباردة: توضع على الجبهة والمعصمين لتخفيف الحرارة.

• التهوية الجيدة: الحفاظ على بيئة باردة ومريحة.

3. التدخل الطبي

يستلزم الأمر مراجعة الطبيب فورًا في الحالات التالية:

• ارتفاع حرارة الجسم فوق 40 درجة مئوية.

• استمرار الحمى لأكثر من ثلاثة أيام.

• ظهور أعراض شديدة مثل صعوبة في التنفس، تشنجات، أو ضعف في الوعي.

• الحمى عند الأطفال الرضع أو كبار السن.

مضاعفات ارتفاع درجة حرارة الجسم

عدم السيطرة على الحمى قد يؤدي إلى مضاعفات صحية خطيرة، منها:

• الجفاف الشديد: نتيجة فقدان السوائل.

• التشنجات الحرارية: خاصة عند الأطفال.

• تلف الأعضاء الحيوية: مثل الدماغ والقلب والكبد عند الحمى الشديدة.

• تدهور الحالة الصحية الأساسية: في حال وجود أمراض مزمنة.

العلاقة بين الحمى وأمراض معينة

تُعتبر الحمى عرضًا مهمًا في العديد من الأمراض المزمنة والمعدية، ويمكن تقسيمها إلى:

الوقاية من ارتفاع درجة حرارة الجسم

تعتمد الوقاية بشكل كبير على معرفة السبب والتعامل معه بفعالية، ومن أهم الإجراءات الوقائية:

• النظافة الشخصية: غسل اليدين بانتظام لتجنب العدوى.

• التطعيمات: للوقاية من الأمراض المعدية كالإنفلونزا والحمى الشوكية.

• تجنب التعرض المفرط للحرارة: خاصة في فصول الصيف.

• الحفاظ على نظام غذائي صحي: لدعم جهاز المناعة.

• الفحص الطبي الدوري: للكشف المبكر عن الأمراض المزمنة.

الخلاصة

ارتفاع درجة حرارة الجسم هو عرض شائع يعكس استجابة الجسم تجاه عوامل متعددة، تبدأ بالعدوى وتنتهي باضطرابات داخلية متنوعة. فهم طبيعة الحمى وأسبابها والأعراض المصاحبة لها يساعد في التشخيص السليم واتخاذ الإجراءات العلاجية المناسبة. يعتمد العلاج على تقليل درجة الحرارة بالأدوية والتدابير المنزلية، مع ضرورة استشارة الطبيب عند ظهور علامات خطيرة. الوقاية أساسها الحفاظ على النظافة، التغذية السليمة، والتلقيح المنتظم، وهي عوامل تساهم في تقليل فرص الإصابة بالأمراض التي تسبب ارتفاع حرارة الجسم.

المراجع

1. Harrison’s Principles of Internal Medicine, 20th Edition, 2018.

2. World Health Organization (WHO) – Fever: Causes and Treatment, 2021.